ما هي البروباجندا ؟ معناها و أمثلة عليها
كثيراً منا يسمع عن مصطلح البروباغندا Propaganda لكن لا يعلم معناه ولا يعلم صورته ولا يعلم أنه يتم ممارسة هذه البروباجندا عليه بصفة شبه يومية دون علمه
مبدئياً الشئ يصبح غير ملحوظ لمن أعتاد عليه و أنت كإنسان تعيش وسط البروباجندا و تحيط بك طول الوقت و تتفاعل معها بإستمرار ولكنك لا تلاحظ ولا تشعر ما تفعله بك .. و إذا فهمتني جيداّ فلن تقدر البروباجندا على خداعك بعد اليوم لأن قوة هذا الشئ تكمن في عدم شعورك بها و بمجرد أن تلاحظ و تدرك كيف تعمل البروباجندا لن يكون لها أي تأثيراً عليك.
مثال بسيط: تخيل أن هناك رجلاّ يدعى أحمد خارجاّ من بيته فأتاه رجلاّ بخبر مثير.. يا أحمد ألم تعلم؟ لقد زنا خالد !
لكن خالد هذا رجلاً صالحاّ.. غضب أحمد و نهر الرجل و حذره من أن يعود لمثل هذا الحديث عن الصالحين. ثم مضى أحمد إلى السوق فأصبح كل من يقابل أحمد يقول له: ألم تعلم؟ أن خالد قد زنا ! أصبح كل من في السوق يقول هذا و يردده .. ساعتها سيصدق أحمد و سيقول اللعنة على خالد هذا الذي كان يتصنع الصلاح أمامنا طيلة الوقت.
هذه هي البروباجندا في أبسط صورها . أن تسمع نفس الخبر من مصادر كثيرة و العقل الباطن يتخذ لا إرادياً موضع التصديق ناحية أي بروباجندا .. طالما أن الكل يتحدث في الأمر فلابد أنه حدث بالفعل.
المشكلة أن خالد لم يزن و لم يراه أحد يزني أنما البروباجندا قد بدأت عندما حكى رجلاّ واحداً حكاية أمام مجموعة من الناس عن أن خالد قد زنا فذهب كل واحد يتحدث في الأمر.
في السابق كانت تنتقل البروباجندا عن طريق الألسنة و الحديث فتنتقل من شخص الي أثنين ثم الى خمسة ثم الى عشرة و هكذا أما الآن فقد خرج للبروباجندا قرون إستشعار وصار لها أقمار تدور حول كوكب الأرض و أصبح لها في كل بيت نافذة و بمجرد أن تفتح هذه النافذة ستجد فيها أناساً يتحدثون و يخبرونك بأمور قد حدثت.. رجالاً يدخلون الى بيتك إلى غرفة معيشتك و إلى غرفة نومك.. رجال كثيرون.. يرتدون بذات أنيقة و ذو شعور مصففة لامعة و ينظرون إلى عينيك مباشرة كل يوم و يخبروك بما يريدون و ما يريدوك أن تفعل.
لو رفعت عينيك قليلاً عن هذه السطور و نظرت حولك ستجد هذه النافذة.. التليفزيون.. أو الـ TV الآن أمسك بالريموت و حاول فتح قناة إخبارية و شاهد ما يعرض على الشاشة
بعد دقيقة واحدة من مشاهدة التليفزيون يتوقف الجزء الأعلى من الدماغ عن العمل وهو الجزء المسؤول عن التفكير و يبدأ الجزء الأسفل بالعمل وهو الجزء الخاص بالتلقي .. هذه الحالة تدعى Alpha state جرب أن تفكر في شيء ما جدياّ و أنت تشاهد التلفاز ستجد صعوبة بالغة في التفكير حتى وانت واعٍ جيداّ.
لاحظ كيف يسكت الأطفال عندما تشغل التليفزيون و تتركهم أمامه لأن أدمغتهم تتحول الى وضع التلقي
والآن إذا أغلقنا التليفزيون سيعودون الى حالتهم الطبيعية لأن العقل يعود الى حالته العادية المفكرة Beta State و يصبح قادراً على التفكير في أي شيء
هذه هي قوة هذا الجهاز الساكن الموضوع بأناقة في غرفة معيشتك .. جهاز يمرر البروباجندا الى العقول بلا أي تفكير.
تذكر: هذا الشيء الساكن يصبح بلا تأثير عليك بمجرد أن تنتبه أليه و تعرف طريقة عمله
هناك ترس مهم جداّ في آلية البروباجندا لا تعمل إلا به وهو التكرار .. تكرار سماعك للخبر من أكثر من شخص.
لكن لو سمعت خبراّ واحداً في التليفزيون من شخص واحد فأن عقلك الباطن سيتعامل معه مثلما تعامل أحمد مع أول شخص قال له أن خالد قد زنى.. لن يهتم كثيراً لكن لو تكرر الخبر في عدة قنوات و قاله كثير من الرجال فسيعتبره عقلك الباطن حقيقة.
تكرار الشيء يجعلك تصدقه حتى و إن كان ضد مسلماتك فإذا أردت أقناعك أن 2+2= 5 فماذا أفعل ؟
ربما آتي بـ ستيفين هوكينج يحدثك في الموضوع بطريقته العلمية و يحدثك عن الرياضيات الحديثة و التي إستنتجت مؤخراً أن 2+2= 5 ثم آتي بعالم حاصل على جائزة نوبل في الرياضيات ليقول لك نعم يوجد حالات بها 2+2=5 ثم آتي بعالم آخر ثم آخر و أكرر هذا حتى تبدأ أنت بالتصديق و تقول نعم أن 2+2=5 من قال أنها 4 !!؟
سر البروباجندا الأول: أن تجد مجموعة من الأخبار المتنوعة هنا و هناك و كلها تقودك الى تصديق شيء واحد معين و بمجرد أن تصدقه ستبدأ تلقائياّ في الترويج له أي تتحول لا أرادياّ الى بوق مجاني من أبواقهم.. و أعلم انك لا تشاهد أخبارا عادية أنما تشاهد بروباجندا.
إذا تردد داخل رأسك سؤال: أن لم نصدق هذه المؤسسات الإعلامية الضخمة بمراسليها بوكالات أنبائها و صحفييها فمن نصدق؟ فأعلم أنها بالضبط عقلية الإمعة.. عقلية النعجة التي تساق .. عقلية لا رأي لها..عقلية تسوقها يميناً و يساراً فتساق معك.. دائماً تبحث عن شخص ليفكر لك .. تبحث عن شخص آخر لتتمسح في آرائه.. إذن أنت شخص تباع و تُشترى في سوق العقول بثمن بخس ..لا يقيم أحداً لك وزناً. فلو أن هؤلاء المذيعين صدقوا ستصدقهم و لو كذبوا ستصدقهم.
سر البروباجندا الثاني: أي بروباجندا تراها قد ظهرت فجأة بشكل مركز على التليفزيون أو الصحف أو السوشيال ميديا.. هي بروباجاندا مصنوعة.. لم تظهر هكذا صدفة .. بل هي مدبرة و مقرر أطلاقها في الوقت التي أطلقت فيه و بالطريقة التي إنطلقت بها
صانعوا البروباجندا هم الأغنياء .. الساسة..الحكومة.. أصحاب المال و النفوذ و الكبار و هذه هي طريقتهم للتواصل معنا نحن الشعب ليبيعوا لنا شيئاً ما.. منتجاّ..أفكاراً.. حرباً.. أو مرشحاً سياسياً. المقصود هنا صنع بروباجندا وليس صنع أخباراً.
سر البروباجندا الثالث: وهو صادم نوعاً ما. أن أي بروباجندا تجدها تكون في الأغلب كذبة و الكذبة التي يحتاجون أن ينشروها بالبروباجندا هي غالباً تحمل ورائها شيء حقيراً جداً
قد تتذكر كيف عرضوا أخبار هجمات 11 سبتمبر .. فجروا البرجين بأنفسهم ثم أطلقوا بروباجندا ضخمة تتهم تنظيم القاعدة بمعاونة صدام حسين بالمسؤولية عن هذه الهجمات ثم أطلقوا بروباجندا كاسحة بضرورة شن حرب على هاتين البلدين للقضاء على الإرهاب. مليون شخص ماتوا في العراق و ربع مليون في أفغانستان قد تكون هذه مجرد أرقام بالنسبة إليك ولكي تتخيل هذا العدد فأن أكبر ستاد كرة قدم في العالم يسع لحوالي 150 ألف متفرج أي أننا نحتاج الى 8 ملاعب مثلها ممتلئة عن أخرها بالرجال و عائلاتهم و أطفالهم .. كل هؤلاء ماتوا فقط لإشباع رغبات بعض النخبة لبترول العراق و أفيون أفغانستان.
سر البروباجندا الرابع: جميع القنوات الإخبارية و الصحف في دولتك بالرغم من كثرتها و تعددها و تباينها.. كلها يتحكم بها رجالاً لا يتعدون أصابع اليد الواحدة .. كلهم لهم نفس الأيدلوجية و نفس الفكر حتة وإن إدعت كل منها بأنها مختلفة و مستقلة
مثال: أمريكا بها حوالي 2000 قناة تليفزيونية و 15 ألف محطة راديو و 1300 جريدة و 20 شركة أنترنت و 6 ستوديوهات أفلام. كلهم بكل ما فيهم و من فيهم تملكهم 6 شركات كبيرة.. 6 رجال كبار يتحكمون بكل هذا و سأذكر الستة مع أمثلة على أشهر الأسماء التي يمتلكوها:
شركة ComCast: تمتلك شبكة قنوات أخبارية مثل NBCو CNBC و MSNBC و أستوديوهات أفلام مثل Universal و DreamWorks و شركات أنترنت مثل AT&T
شركة News Corp: تمتلك قنوات FOX الإخبارية و جرائد مثل Wallstreet Journal و Sunday Times و The Sun وNew York Post و أستوديوهات أفلام مثل 20th Century Fox و 21st Century Fox
شركة Time Warner: تمتلك قنوات أخبارية CNN و قنوات متخصصة NBA و HBO و Adult swim و Cartoon Network و أستوديوهات أفلام مثل Warner Bros و Castle Rock و NEW Line Cinema
شركة CBS : تمتلك قنوات إخبارية مثل شبكة CBS و شبكة قنوات متخصصة مثل Show Time و شركات أنترنت شهيرة مثل CNET و Last.fm
شركة Walt Disney : تمتلك قنوات إخبارية مثل ABC و قنوات متخصصة مثل A&E و History و ESPN و أستوديوهات أفلام مثل Walt Disney و MArvel و Touch stone
شركة Viacom : و تمتلك قنوات متخصصة مثل Mtv و Nickelodeon و VH1 و BET و Comedy central و أستوديوهات أفلام مثل Paramount Pictures
قد تبدو هذه القنوات و الصحف متنافسة لكنها في الحقيقة مجتمعة على أيدلوجية واحدة كلها توصل لك نفس الرسالة بطرق مختلفة و أقلام مختلفة و وجوه مختلفة و بالطبع هؤلاء الرجال الستة الكبار اللذين يملكون كل شيء كلهم يهود.
الدولة و الإعلاميين و البنكيون الكبار كلهم في علاقة صداقة وثيقة أبدية مؤبدة لأنه لو سقط طرف من الأطراف من الصداقة سينهار النظام بأكمله لذلك لاشيء يسمح له بأن يخرب هذه الصداقة و حتى أن تغير رجال الدولة و تغير رجال الأعلام.. الدولة التي لا تسيطر على الإعلام يسقطها الإعلام.
سر البروباجندا الخامس: لا يسمح بعرض خبر أو جملة لا تعجب الحكومة على أي من قنوات الميديا كلها و إن حدث ذلك من أحد الصحفيين أو المذيعين فأنه يتم إستبعاده فوراّ من القناه بأمر من صاحبها لأنه تربطه بالحكومة علاقات صداقة قوية
أن النظام في أي دولة في العالم يتكون من 3 أساسيات وهم البنكيون الكبار و الدولة و رجال الأعلام بهذا الترتيب البنكيون في القمة يليهم الدولة يليهم رجال الأعلام ولا يُسمح بغير هذا الترتيب فالدولة التي تريد أن تزيح البنكيون لتكون هي في القمة يسقطها البنكيون و الدولة التي تهمل السيطرة على الأعلام و تعطيه الحرية يسقطها الأعلام. هذا هو النظام العالمي و كل هؤلاء الكبار الثلاثة .. دائماًّ أوغاد.. لهذا هم أصدقاء لو صلح واحد منهم أكله الآخرون.
سر البروباجندا السادس: قنوات الإعلام لا تعرض بروباجندا 24 ساعة أنما تكون البروباجندا في المواسم فقط و مركزة و لكن في الأوقات العادية تقوم قنوات الإعلام بعرض شيء آخر.. شيء أقل حقارة من البروباجندا ولكنه حقير على أي حال وهو Video News Release أو الـ VNR أختصاراً
و الـ VNR ببساطة عبارة عن تقارير بالفيديو عن أمور معينة و تكون مرسلة للقناة من أحد الجهتين: الحكومة أو الشركات التجارية الكبرى
لو من الحكومة فتكون أن تهدف إلى إيصال فكرة ما تريد الحكومة أن توصلها الى عامة الشعب
لو من الشركات التجارية فهي تسوق لمنتج معين بطريقة غير مباشرة .
الخدعة هنا أن هذه القنوات تعرض لك هذه التقارير دون أن تقول لك أنها مرسلة من أحد بمعنى أنه يتم الترويج لفكرة ما أو منتج ما على شكل أخبار.
أي متحدث يظهر على هذه القنوات تحت أي أسم كان .. خبير في كذا .. محلل في كذا .. إستشاري في الباذنجان .. كل هؤلاء VNR كلهم بدون إستثناء. فهم لا يقولون غير ما يتماشى مع آراء الحكومة. أنت لا تسأل عن مدى خبرة هذا المحلل أو الإستشاري في هذا المجال.. أنت تصدق فقط و هو يقول دائما ما تريد الحكومة أن تقنعك به.
أقرأ أيضاً عن Operation Mockingbird وهي عملية تسمح للمخابرات الأمريكية وضع ما تريد من بروباجندا في الصحف و القنوات والراديو والأفلام السينمائية .. أي بروباجندا تريدها و بدون أسئلة.
و أصبح هذا الأسلوب متبع في كل البلاد و ليس في أمريكا وحدها فتجده يحدث في بلدك أياّ كانت و يحدث تحت أنفك كل يوم و لو بحثت قليلاً لوجدته كما هو هكذا.. و ربما وجدت ما هو أسوأ.
سر البروباجندا السابع : هو تكتيك يستخدمونه كثيراّ فتجدهم يعبرون بعبارات عائمة أثناء سرد الخبر مثل "بعض الناس يقولون كذا" .. أو "قال أحدهم كذا" .. أو "قال مصدر مقرب كذا" حينما يحيلونك الى مصدر مجهول أعلم أنهم يقولون رأيهم هم.. وهو دائماً يضعونه في هذه الصورة.
حالة هامة : الإعلامي الساخر الشهير John Stewart صاحب برنامج The Daily Show على قناة Comedy Central التابعة لشركة Viacom واحدة من الستة الكبار.. يهزأ هذا الإعلامي إسبوعياً من البروباجندا و يفضح القنوات الكبيرة و تكتيكاتهم و يسخر منها و يسخر من تصرفات الحكومة .. والرجل له شعبية مهولة وحاز على جوائز كبيرو مثل إيمي و جرامي و منح الدكتوراه الفخرية فكيف ذلك ؟!
حسناً الرجل يضحك على أشياء ينبغي أن تحزن عندما تسمعها .. أن هذه الأشياء الجادة أصبحت بالنسبة لك مادة كوميدية هازئة غير جادة .. والحقائق عندما تقال بشكل هزلي و ضاحك تصبح غير جادة ولا يكون لها قيمة نفسية عندك ولا تورث لديك أي شعور بالغضب بل تورث لديك الضحك .. هذه لعبة نفسية تسمح بها الميديا. لاحظ أن جون ستيوارت يقول دائماً أن برنامجه هزلي و غير حقيقي و يصر على ذلك ولو كان برنامجه يعرض نفس الأشياء ولكن بصورة جادة لم يكن ليسمح له بالعرض أصلاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق