الجمعة، 6 أكتوبر 2017

النقود

عالم المال و النقود [الجزء الأول]

نشأة النقود و تاريخها منذ بدأ الخليقة و حتى يومنا هذا

عالم النقود .. الأموال أو الأوراق التي يدور الناس من أجلها كأنهم في خلية نحل .. يصحون و يعملون و يتعارفون و يبتسمون و ينافقون و يكذبون و يتقاتلون و يموتون من أجلها .. سنتحدث عن أسرار النقود التي لا يعلمها معظم الناس .. هي في الواقع معلنة تمامًا لكن معظم الناس لا يفهموها جيدًا لأنها معقدة .. في هذا الموضوع سأحاول شرحها بطريقة مبسطة و لن تكون سعيدًا جدًا بعد فهمها .. إذا فهمتها !

الجميع يعلم أن النظام المالي منذ قديم الأزل قائم على أساس المقايضة و هو نظام مالي عقيم معقد و ليس بسيط كما يظن معظم الناس فماذا لو السلعة التي تملكها لا يريدها أحد ولا يريد أحد مقايضتها حتى مقابل حفنة رمال ؟!

لكي نشرح تعقيد نظام المقايضة سوف نسرد قصة بسيطة:-
تخيل قرية بسيطة من قديم الزمان و أنت تعيش بها داخل كوخ خشبي بسيط وقطعة أرض صغيرة تقوم بزراعتها و تنتج البطيخ و البرتقال و جوز الهند .. هذا كل ما لديك و بجوارك في القرية بيت الجزار و لديه مواشي كثيرة و ينتج اللحم وهو رجل غني و شرير و وغد مثل كل الأغنياء.. و بجواركم الفرارجية وهي سيدة تربي دجاج و بط ..
و اليوم أنت لا تريد أن تأكل بطيخ أو برتقال و تريد أن تأكل اللحم ! فكل ما عليك هو أن تملأ عدة سلال بالبطيخ و البرتقال و جوز الهند و تذهب لبيت الجزار الوغد  و تنتظر ما سوف يثير إنتباهه من تلك الثلاث سلع ليبادلها معك بقطع من اللحم الطازج..
وهكذا تذهب الى بيت الجزار الوغد و كان رجلاً ضخم مشعر لتجد طابور من الأشخاص كل منهم يحمل سلة بها شيء ما فهناك سلال قمح و أخرى شعير و أخرى بها حدوات حصان أتى بها الحداد.. تنتظر دورك و ما أن يأتي دورك حتى نظر الجزار للسلال التي تحملها بعدم إهتمام وقال : لا أريد شيئًا من كل هذا .. أريد أرز .. هل لديك أرز ؟؟
حاولت إقناعه عبثاً إن فاكهتك طازجة و لذيذة لكنه كان غير مهتماً أبدا و أشار بلامبالاة لمن يقف خلفك في الطابور بالتقدم !
لا عليك .. كل ما عليك أن تفعله هو المرور على البيوت و السؤال عن من يريد مبادلة الفاكهة بالأرز .. و بالفعل بعد المرور على ما يقرب 10 منازل تجد من يرضى بمبادلة سلة البطيخ بسلة من الأرز
تأخذ الأرز فرحاً و تعود مسرعًا إلى الجزار الذي قال لك : لم أعد أريد الأرز لقد إستكفيت ممن أتوا بعدك.
أنه حقاّ وغد ..لا يوجد نصيب أن تأكل اللحم اليوم.. تذهب إلى الفرارجية و هي سيدة نحيلة يجري البط والدجاج حولها و تحب الفواكه و التي بالفعل توافق أن تأخذ سلتي البرتقال و الجوز مقابل دجاجتين.
تعود إلى بيتك فرحاً بما أنجزت و جائعاّ لتأكل بإستمتاع ما أحضرت فالشيء الذي تتعب في إحضاره تجد له طعمًا مختلفًا دائمًا.. وغدًا يوم جديد لكن غداًّ يجب أن تحضر اللحم 

هكذا كانت طريقة التعامل.. طريقة متعبة و عقيمة ظل العالم يتعامل بها فترة كبيرة من الزمن .. مشكلتها أنه يجب أن يصادف أن أحتاج أنا و أنت شيئًا في نفس الوقت و يصادف أن كلاً منا لديه الشيء الذي يحتاجه الآخر حاضرًا في يده..هذا كان متعباً .. لكن سيتطور الأمر لاحقًا بحيث أصبح لدى كل قرية سوق صغير يتجمع به الناس كل صباح حاملين سلال بما لديهم من سلع .. هذا أسهل من المرور على البيوت.. فالسوق يجمع الناس كلهم في مكان واحد و في وقت واحد ليتبادلوا السلع مما يسهل حدوث الصدفة. و سيحدث تطور أكثر في نظام المقايضة  ولكي نشرحه نعود لنكمل قصتنا البسيطة:

سهرت الليل بأكمله في إعداد سلعة جديدة و مبتكرة فلنفترض أنها السجائر .. نعم لقد سهرت الليل في لف التبغ كي تنتج السجائر و بالفعل أعددت سلتين من السجائر و ذهبت في الصباح إلى السوق و معك خمس سلال, ثلاث بهم فاكهة و إثنتين بهم سجائر و وقفت في السوق فجاءت سيدة تريد مبادلة سلة من السجائر بسلة من السمك ثم جاء رجل يريد مبادلة سلة تفاح بسلة من السجائر ثم جاء آخر يريد مبادلة قفص من الدجاج بسلة من السجائر فلم يجد معك فأنصرف عنك ثم جاء آخر ثم آخر .. كلهم يريدون السجائر لدرجة أنك إستبدلت سلال الفاكهة بتبغ و شرعت بعمل المزيد من سلال السجائر وفي آخر النهار عدت لبيتك محمل باللحم و الدجاج و الأسماك و القمح و الشعير و العديد من السلال الأخرى !
المقصود هنا أن بعد فترة من العمل بنظام المقايضة في قرية ما  يجدون أنه يوجد سلعة ما مطلوبة دائماً في قريتهم .. كل الناس تريده..شيء طويل الأجل و يحافظ على جودته مدة طويلة .. ليس التفاح مثلاً فيفسد بعد عدة أيام شيء تستطيع أن تستبدله غداً أو بعد أسبوع أو شهراً.. مع الوقت سيصبح هذا الشيء كالنقود .. في قريتنا هذه أصبحت السجائر كالنقود وقد يكون التمر في القرية المجاورة أو الحديد في القرية التي تليها..
و مع الوقت تنشأ قائمة أسعار في القرية حسب العرض و الطلب فعلى سبيل المثال اللحم يعادل 20 سيجارة و الدجاج يعادل 14 سيجارة و اللبن 5 سجائر و الملح 2 سيجارة و هكذا حسب تقدير سكان القرية أثناء التبادل .. ولكن هناك مشكلة:
قد يأتي موسم أمطار غزيرة و سيول تتلف محصول التبغ تمامًا و تدمره و كأن مخزن النقود لدى القرية قد تعرض للحريق 
المقصود هنا أن الإعتماد على شيء يزرع كنقود هو مخاطرة كبيرة لأنه يخضع كما رأيت لتقلبات الطقس فقد يتعرض لموسم فيضان و سيول أو موسم جفاف يفسد محصول النقود تمامًا.

الحضارة الفرعونية المصرية القديمة إبتكروا نظاماً ماليا جديداً وهو الذهب الخام هو شيء ثمين و نادر ذو بريق لامع يخطف الأبصار .. هذا الشيء لا تستطيع أن تنام و تزرعه في مزرعتك ..قطع من الذهب الخام صغيرة و غير متماثلة الحجم أو الشكل.. لا توجد أسعار معينة كل شيء خاضع للتقدير .. قد تحصل على سرة كبيرة من الذهب الخام مقابل نحتك لمعبد فرعوني كامل في الصخر أو قد تحصل على قطعة ذهب في حجم النرد مقابل بيعك لسلة لحم طازج و هكذا

ثم الحضارة الصينية هم أول من صكوا الذهب إلى قوارب ذهبية صغيرة إسمها "ساسي" و استخدمت كنقود.

بعدها بحوالي 700 سنة في مملكة ليديا بهضبة الأناضول -تركيا حالياً- قاموا بصك أول عملة ذهبية منحوتة و عليها شعار مملكتهم و تبعتهم باقي الحضارات.

ثم تطور نظام النقود مرة أخرى في الصين.. حيص قام الأمبراطور الصيني "تايزو" بمصادرة جميع العملات الذهبية لدى الشعب و منع تداولها داخل البلاد و أعلن عن عملة جديدة وهي النقود الحديدية فأصبح كل شخص يحمل كوين ذهبي يسلمه للدولة و الدولة تسلمه 10 كوينات حديدية في المقابل (1 جوان = 10 كوينات حديدية)
و لكن هناك مشكلة .. إذا أراد أحدهم شراء متر من القماش على سبيل المثال فأنه محتاج أن يحمل ما يعادل 80 كجم من العملات الحديدية مما جعل حياة الصينيين بائسة للغاية !
حتى جاء أخدهم بفكرة رائعة وهي شهادة حديد .. كل شخص يودع 10 كوينات حديد بمحل إسمه جياوزي و يأخذ في المقابل شهادة ورقة أسمها "الجياوزي" و صار الناس يتعاملون بها في الأسواق و ظلت متداولة لقرابة 300 عام ثم أنتهى التعامل بها و أصبحت ذكرى.

ثم تطور النظام المالي مع قدوم الصليبيين إلى الشرق الأوسط من خلال فرسان هيكل سليمان Knights Templar و هم فرقة عسكرية مسيحية الديانة يهودية الأصل كانت مهمتهم حماية الحجاج المسيحيين القادمين إلى القدس لكنهم إهتموا بحماية أموال الحجاج بدلاً من الحجاج أنفسهم ثم تطورا للعمل في حماية أموال المسافرين عامة في كافة أنحاء المملكة الصليبية و أوروبا. حيث أن قلاع هؤلاء الفرسان الأكثر تحصيناً فكانت أكثر مكان آمن تضع فيه عملاتك الذهبية و يعطوك شهادة بذلك و عندما تصل إلى وجهتك تذهب إلى مقر الفرسان هناك و تعطيهم الشهادة فيعطوك أموالك الذهبية .. مقابل أجرة بالطبع.
أودع الكثير من الناس أموالهم لدى الفرسان حتى الملوك و الأمراء فحازوا على ثقة المجتمع الأوروبي بأكمله و أصبحت الشهادة التي يعطونها تكافيء الذهب و تستطيع أن تشترى بها أي شيء فكانت هذه الشهادة ثاني عملة ورقية في التاريخ بعد الجياوزي.

أنتهى الجزء الأول .. تابعوا الجزء الثاني نشأة البنوك.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق